"طوفان رمضان".. لماذا الاحتلال طقوس الأقصى في الشهر المبارك؟

    يستند الرباط والتمرد والمقاومة والفزعة للمسجد الأقصى إلى بُعد وطني وديني وروحي واجتماعي وثقافي، إذ يُعتبر الأقصى رمزًا، كونه مقدس.

    ضيوف الموقع

    المزيد

    كاريكاتور

    كتبوا عنه

    المزيد

    من اقوال نسمة

    فيديو

    صور

    طلال سلمان

    صحافي لبناني أصدر في 26 آذار/مارس 1974 جريدة “السفير” في بيروت، وهي يومية سياسية مستقلة ..

    عن اسرائيل وحربها كونية

     

    .. وبعد خمسين سنة من الانتصارات ما تزال إسرائيل تقاتل فلسطين وتواصل محاولة اغتيالها وتقطيع أوصالها وصلة الرحم بأهلها العرب من حولها.
    برغم النكبة والهزائم العربية المتوالية والحروب المبتورة والمضيَّع نصرها كما في 1973،
    وبرغم التراجعات العربية واتفاقات الإذعان وخروج أو إخراج دول عربية وقوى عربية أساسية من حومة الصراع، فإن إسرائيل ما تزال ترتدي ثياب الميدان وتواصل القتال وقد اتسعت جبهاته فباتت كونية..
    لما تنته حرب إسرائيل لا على الفلسطينيين بذاتهم ولا على العرب بمجموعهم،
    لم تطوَ القضية ولم تندثر ولا أصابتها الشيخوخة كما توقع بن غوريون.
    ولعل الهزيمة العربية في فلسطين قد ساعدت على كشف طبيعة المشروع الصهيوني، فإذا هو يستهدف الهيمنة على الكون وليس فقط على قطعة من الوطن العربي، أو على مجمله.
    إن إسرائيل تبدو في صورة مَن تقاتل العالم كله الآن.
    لقد اعترف العرب بهزيمتهم، لكنهم لم يخرجوا فعلياً من الميدان. حتى من وقَّع على الصلح لم يستطع أن يفرض الصلح لا على شعبه ولا طبعاً على إسرائيل التي تجمع وثائق الإذعان واستسلام المستسلمين من العرب ثم تمضي قدماً في حربها لفرض هيمنتها على مَن يستمر في المقاومة أو يحاول تعزيز صموده في انتظار توفر شروط مقبولة لتسوية أو لهدنة طويلة.
    إن شعب فلسطين ما زال يقاوم. إنه يبذل دمه رخيصاً ويهدر في الشوارع ويرمي جنود إسرائيل والمستوطنين بالحجارة ما تعذر عليه حمل السلاح.
    خمسون عاماً ولم تستسلم فلسطين، وليس ثمة ما يوحي بأن شعبها سوف يستسلم في المدى المنظور، برغم الإخفاقات والتنازلات والانهيارات في صفوف القيادة والتلهّف على توقيع المذل والمرفوض من الاتفاقات التي لن تنفذها إسرائيل.
    ها هي إسرائيل تتبدّى الآن في صورة مَن يخوض حرباً كونية.
    لم تكتفِ بما حققته من انتصارات »موضعية« في فلسطين ومن حولها، إنها تتصرف وكأنها تريد إخضاع العالم كله لإرادتها المطلقة.
    إنها تقاتل الآن ضد أسباب وجودها وليس فقط ضد مَن ألغت وجودهم.
    تقاتل على امتداد أوروبا، في سويسرا وفي فرنسا، في بريطانيا الصديقة وفي ألمانيا التي تجبر على الركوع أمام إسرائيل وكأن النازية فيها لم تقاتل إلا ضد اليهود ولم تقتل إلا اليهود.
    وهي تقاتل في الولايات المتحدة ذاتها، وتوجِّه إهانات علنية يومية إلى قيادتها، وهي إهانات تمسّ »شعوبها« جميعاً.
    وفي حين ينظِّر المنظِّرون لنهاية التاريخ، تبدو إسرائيل منهمكة في إعادة كتابة التاريخ الجديد لعالم الألف الثالث للميلاد.
    إن شعب فلسطين، المحاصَر، المجوَّع، المشرَّد، الأعزل، المنتزعة أرضه بالمستوطنات، ما زال يقاوم أكثر مما تقاوم دولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية: يتحداها نتنياهو على أرضها وفي قلب إدارتها ومن داخل مؤسساتها السياسية (الكونغرس) والأمنية والعسكرية والاقتصادية وصولاً إلى معاهد الأبحاث ومراكز الدراسات.
    لقد أقامت إسرائيل »مستوطنات« داخل المؤسسات »الديموقراطية« الأميركية.
    إن أي فتى فلسطيني يقاوم ويصمد ويقاتل أكثر مما يقاوم أمبراطور الكون رئيس الولايات المتحدة الأّميركية.. فضلاً عن نائبه أو وزيرة خارجيته وصولاً إلى وزير دفاعه أو رؤساء الأجهزة الأمنية.
    ليس هذا عذراً للفلسطينيين أو للعرب، ولكنها حقيقة تعلن نفسها كل يوم.
    وإسرائيل لم تصبح الأقوى في العالم وعليه لأنها هزمت العرب فحسب،
    فهي قد هزمت العرب، أصلاً، بقوتها في العالم، وباستقوائها بالمنتصرين في الحربين العالميتين عليهم، وها هي الآن تطارد حلفاءها التاريخيين بمطالبها التي لا تنتهي وتتعمَّد إذلالهم سواء وهم ينحنون أمام رموزها أو وهي تهيمن وتتحكّم بقراراتهم السياسية في عواصمهم.
    وصحيح أن نتنياهو يستقوي على كلينتون (والآخرين) بتراجعات عرفات، ولكنه يستقوي على عرفات، مرة أخرى، بعدم التزام كلينتون بتعهداته أو حتى بمبادرته البائسة.. عدا عما كان يُعرف بمؤتمر مدريد و»العملية السلمية«.
    ولقد شيَّعت فلسطين شهداءها الجدد، أمس، وثمة طوابير جديدة من فتيتها يتقدمون للمواجهة والاستشهاد غداً، مؤكدين حضورها المشع والدائم.
    لكأنهم شهداء من أجل تحرير العالم كله، وليس فقط من أجل فلسطين.
    وإذا كان علينا أن نحاسب أنفسنا على تقصيرنا، وعلى النقص في الإرادة وفي الاستعداد لقتال مفتوح، فلا بد أيضاً من مساءلة الجبابرة في العالم: إلى متى يستمر هذا الخضوع المذل للأكثر تطرفاً من قادة المشروع الصهيوني؟
    خصوصاً أن هذا المشروع يتبدى اليوم بصورته الكونية الكاملة بما يتجاوز حدود فلسطين والدنيا العربية جميعاً؟!
    ملحوظة:
    كنا نتمنى، وما زلنا نتمنى، لو أن رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ زايد بن سلطان، وهو الصافي العروبة والمخلص لقضايا أمته، وظف الصفقة الهائلة لشراء الطائرات الأميركية الجديدة لما يخدم الحق العربي في فلسطين، وبالتحديد: في ما يقوي موقف الإدارة الأميركية ورئيسها بيل كلينتون في وجه تعنت نتنياهو.
    ونحن نتمنى لو أن كل الدول العربية تحاول »تحصين« موقف كلينتون بصفقاتها الكبرى، سواء تلك التي تتصل بالسلاح الأميركي أو بسائر المنتجات الأميركية.
    ليأخذ أصدقاء أميركا من العرب حقوقهم من صديقهم الكبير وليعززوا موقفه الأميركي »الوطني« في وجه التطرف الإسرائيلي الذي يتحداه في قلب البيت الأبيض!
    … هذا طالما تعذَّر القتال! أي قتال!

    نشرت في جريدة “السفير” بتاريخ 15 أيار 1998
    بحث
    الأرشيف
    إشترك بالنشرة الإسبوعية